«مساكن الأمريكان» لفتت إليها الأنظار هبة خميس: تحديت نفسى بكتابة الرواية وأعتقد أننى نجحت | حوار

هبة خميس
هبة خميس

 بعد مجموعتين قصصيتين، قررت القاصة هبة خميس، الاتجاه لكتابة الرواية، فكانت هذه النوفيللا «مساكن الأمريكان» حيث تبدأ بفانتازيا يظن معها القارئ أنه أمام عمل سوريالى، لكنه سرعان ما يجد نفسه فى خضم أحداث مشوقة، حيث تتقاطع مصائر شخصيات منطقة عشوائية فى حبكة مضفرة ببراعة.حول الرواية، وأسباب اتجاهها إليها، والنهاية المأساوية لعدد غير قليل من الشخصيات  كان لنا معها هذا الحوار:

بعد مجموعتين قصصيتين.. لماذا قررت الاتجاه لكتابة الرواية؟
عقب انتهائى من مجموعتى القصصية الثانية توقفت عن الكتابة لعدة سنوات، كنت قررت اتخاذ مسافة من الكتابة بشكل عام وبسبب ظروف شخصية امتد القرار لأكثر من ثلاثة أعوام، كنت أما لطفل رضيع وزوجة وانخرطت فى الحياة العادية بشكل ما، وكلما طالت فترة ابتعادى كنت أعتبر العودة مستحيلة. بعد وقت طويل من التوقف عن الكتابة كان الخوف مصاحباً لي، لكننى أذكر أننى اتخذت قراراً مختلفاً وقتها للتغلب على خوفى بمواجهته. كتابة الرواية كانت تحديا دخلت فيه أمام نفسى وأظن أننى ربحت ذلك التحدي. راودتنى فكرة الرواية لأعوام لكننى لم أكن جريئة بما يكفى لكتابتها، لكننى حينما دخلت ذلك التحدى لم يكن لدى شيئاً أخسره باعتبارى متوقفة عن الكتابة فى الأساس. وبالفعل بدأت الكتابة فى بداية 2019 وفى نهايتها كنت انتهيت من مسودة الأولى، وتلك فترة أعتبرها قصيرة للغاية للانتهاء من رواية، لكننى كنت مدفوعة بشغفى تجاه تلك الفكرة التى ظلت فى رأسى لسنوات طويلة.

اقرأ أيضاً | من يكتب الزمن الفلسطيني وروايته في غزة؟

ألاحظ التكثيف الشديد فى الكتابة.. هل ألقت القصة القصيرة بظلالها على مشروعك الروائى الأول؟
ذكرت أننى كنت متوقفة عن الكتابة لأعوام، فى تلك الفترة حينما عدت للكتابة ثانية شعرت بالتجدد والتغيير بقوة فى كتابتي، لم تؤثر القصة على كتابتى للرواية لأن القصص نفسها التى كتبتها عقب عودتى للكتابة كانت قصصا طويلة بعيدة عن التكثيف الذى اعتمدت عليه فى مجموعاتى القصصية. 

كتبت «مساكن الأمريكان» بشخصية جديدة تماماً، بتركيز على عالم الرواية نفسه وشخصياته وطبيعة حياتهم وبالطبع مأخوذة بحضور المكان القوى الذى أثر على بشكل كبير أثناء الكتابة، فكنت أخرج للتجول حول المكان، دخول الشوارع والأزقة التى لا أعرفها والتحدث مع الغرباء والباعة ومحاولة عقد علاقات مع الأماكن، فى تلك الفترة لم أشعر أننى أتجول وحدى بل أحاطتنى شخصيات الرواية ومدتنى بالونس أثناء وحدتى فى ذلك المكان. 

كيف قمت بتضفير كل هذا العدد من الشخصيات فى تلك الصفحات القليلة نسبيا؟
لا أعتبر أن عدد الشخصيات كبير، ربما اهتممت بشخصيات على حساب أخرى مثل «سيد» و «على» باعتبارهما شخصيات رئيسية، باقى الشخصيات كان مهماً إبرازها بسبب حضور هاتين الشخصيتين الأساسيتين الطاغى على الرواية.

بالنسبة لتضفير الشخصيات فى السرد لم تواجهنى صعوبة بسبب حجم الرواية، ولم أشعر بالحاجة للتكثيف أو ضغط الشخصيات، كتبت الرواية دون وجود أى قيود متعلقة بالحجم وخرجت فى شكلها النهائي، ولم أشعر بالحاجة لفرد مساحات أكبر للشخصيات. 

هل تنوين التخصص فى كتابة النوفيللا؟
لا أنوى التخصص فى أى نوع سردى على الإطلاق، أحب كتابة القصص القصيرة ومازلت أكتبها، أحببت العمل على مشروع رواية بداية من الفكرة والبحث ثم وضع الخطة، كما أحب كتابة نصوص لا تخضع أحياناً للتصنيف.

 أحب السرد بشكل عام، كما أننى لا أتفق معك فى كون «مساكن الأمريكان» نوفيللا، هى رواية ذات حجم متوسط فقط، فى تصورى النوفيللا لا يتم تصنيفها وفقاً للحجم فقط، ولكن أيضا وفقاً لزخم الشخصيات والأحداث. 

الموت حاضر بقوة واختطف عددا غير قليل من الشخصيات.. ألا ترين أن هذا المصير قاس بعض الشيء؟
كتبت الرواية وأنا متأثرة بحضور الموت بشدة، حيث بدأت فيها بعد شهور قليلة من وفاة شريك حياتي، أعترف أن تلك الكتابة أنقذتنى وقتها لذا أنا ممتنة لـ «مساكن الأمريكان» مع الوقت والكتابة  تعلمت أن حضور الموت لا يمثل القسوة مثلما نتخيل لكنه شيء مصاحب للحياة بطريقة طبيعية، نصحو من نومنا نأكل ونتحرك وننام إلى أن يأتى يوم لا نصحو فيه. تلك حقيقة الحياة نفسها، ربما بسبب تأملى الكثير فى الموت وقتها لم أشعر بتأثير ذلك التأمل على الرواية، لكننى سمعت دائماً ذلك الرأى من القراء وهو تأثرى بالموت، لذا أظننا نكتب أحياناً تحت تأثير الأسئلة التى تدور فى ذهننا أثناء الكتابة.



فى «مساكن الأمريكان» كان السؤال فى ذهنى متعلقاً بالتغيير وموت الأشياء. فى الرواية التى انتهيت منها للتو كانت أسئلة مختلفة فى ذهنى تتعلق بالحب والذاكرة، لذا أتخيل أن تلك الأسئلة أثرت فيها أيضاً.

لماذا قمت بتجهيل اسم زوجة «سليم» الثانية؟
لأنها شخصية لم تكن مهمة بالنسبة لي، استخدمتها لأبرز شخصية «سليم» نفسه فقط وجوانبها المتعددة، أما بالنسبة لـ «على» رغم أنها كانت أمه، إلا أنها لم تؤثر عليه إلا من خلال شكله شديد الشبه بها. ولم أحب الدخول فى التفاصيل التى تجذب تعاطف القراء مع شخصية سعاد الزوجة الأولى، أحببت عرض الشخصيات فقط دون الدخول فى مشاعرهم وتفاصيلهم الداخلية والتماهى معهم، لذا مرت تلك الشخصية مرور سريع فى الرواية.

«مساكن الأمريكان» والأحداث عن العشوائيات.. ألا ترين أن العنوان يوحى بدلالات أخرى قد لا تقصدينها؟
عنوان الرواية هو الاسم الحقيقى للمكان الذى مازال موجوداً حتى الآن، رغم كل التغييرات المحيطة به، وضعت عنوان الرواية ليحمل تلك الإشكالية والدلالات، كثير من القراء الذين يعرفون المكان جيداً تعجبوا من وجود رواية تحمل اسم ذلك المكان وبعضهم سأل أكثر من مرة بخصوص ذلك. 

بعد نجاح روايتك الأولى.. كيف ترين الخط الذى ستتجه إليه كتاباتك الإبداعية؟
لا يوجد خط معين أتجه إليه، اكتب ما أحبه فقط وأحب الكتابة عن الأماكن بشدة، اهتمامى نفسه بالمكان والشخصيات التى تعيش فيه وعلاقتهم بذلك المكان. 

الرواية أقرب إلى سيناريو.. هل نراها على الشاشة الفضية قريبا؟
لا. وأرى فى ذلك صعوبة شديدة، حيث إننا نتكلم عن الإسكندرية قبل بداية الألفية وهناك مناطق لم تعد موجودة بها، رغم اقتراب الرواية من مشاهد السيناريو إلا أن تحويلها يظل عملا صعبا للغاية، ليس فقط بسبب المكان والزمان، لكن أيضاً بسبب شخصية «علي» المثيرة للجدل والتى قدمتها بجرأة وكشف واضح. 

لماذا يكتب كتّاب الإسكندرية دائما عن الإسكندرية كأنه واجب مقدس؟
لا يكتب كل كتاب الاسكندرية عنها، ربما من يبرز منهم يكتب عن الإسكندرية لكننى أعرف الكثيرين من الإسكندرية لا يهتمون أبداً بالتركيز عليها. الحياة اختلفت كثيراً عن الماضي، عملى بالقاهرة وأعمل من منزلى بشكل عادي، ووجود السوشيال ميديا فتح آفاقاً واسعة أمام جيلى ليخلق براحاً فى الأماكن ببساطة، منذ سنوات ظل كتاب الاسكندرية فى تجمعات محدودة ومن ترك الإسكندرية فقط كان يقابل النجاح والشهرة. الوضع مختلف تماماً الآن حيث بإمكان الكاتب أن يظل فى مكانه حتى خارج مصر ويتم قراءة أعماله بشكل جيد.

ما مشروعك الإبداعى القادم؟
مشروعى القادم هو رواية انتهيت منها منذ شهور ومازالت قيد المراجعة، تلك الرواية بدأت فيها قبل «مساكن الأمريكان» لكننى توقفت فيها لصالح الأخرى، وعقب انتهائى من «مساكن الأمريكان» عدت لاستكمال الكتابة بها، وهى رواية مختلفة تماماً من حيث الفكرة والبناء والسرد أيضاً، تتماس الرواية مع المجتمع البدوى بشكل خاص ولا تدور معظم أحداثها فى الإسكندرية.